إنتظرت في نفاذ صبر دورى لكى أنهي إجراءات السفر ..قلبى يرقص طرباً .. ولهفتى تتجاوز الحد ..اليوم أسافر مع مُنتخب بلادى .. وألوان علمها يُزين وجنتى .. ألتف به فيبعث في أوصالى الدفء والفخر والأمان .. اليوم أودع أمى وأصدقائى وأمضى ..
إلى حيث أصرخ بإسمها فيرتج الكون لصوتى ..
إلى حيث ينبض قلبى ..فتصل دقاته إلى آخر حدود السمع ِ ..
إلى حيث تتغنى روحى بعشقها فاُسمع الملايين هذه الإنشودة .. إنشودة عشقى لها ..
رباه , نشوة حب وطنى تجتاحنى فتدمع عيناى .. فيربت أحدهم على كتفى مُشجعاً فألتفت له مُردداً وعيناى مغروقتان بالدموع أن مصر .. مصر .. تحيا مصر .. !
أخيراً تحقق حلمى وحلم الملايين غيرى .. فاضل ع الحلم خطوة كما تقول الأغنية .. اليوم أذهب مع المئات من المصريين المُخلصين القادرين إلى السودان حيث تقام المُباراة الفاصلة .. بعد أيام مجيدة لن تتكرر قضيناها في التنافس على إظهار عشقنا لها ..
لماذا أترك لفلان أو علان فرصة أن يبدو أكثر وطنية منى؟ .. فليرفرف إذن علم بلدى من نافذة غرفتى .. فليستقر مفروداً مهيباً على زجاج سيارتى .. فلإتدفى به في ليالى الشتاء الباردة تلك وأنا أتسكع مع أصدقائى في الطرقات التى إمتلئت هي الأخرى بالإعلام وصوت شادية يدوى فيها ليؤكد أن " مشافش الولاد .. السمر الشٌداد " .
حقاً لم يُصنع هذا العلم من قماش سميك مثل معطف من الصوف إبتعته منذ إسبوعين مُهنياً نفسى حينها بالكثير من الدفء .. ولكنك لن تحتاج إلى سُمك أكبر للقماش بقدر ما ستحتاج إلى هذا ... ال .. ال .. لا أدرى حقاً كيف أعبر .. ولكنى سأقول بإيجاز أن هذا العلم ذو القماش الخفيف له مفعول السحر فيما يمنحك من دفء أكثر من كل معاطف الصوف التى صُنعت في هذا العالم ..
ركبت الطائرة أخيراً .. ألصقت وجهى بالزجاج البارد .. اليوم أودعك يا حبيبتى وأعود لكِ مُنتصراً حاملاً مع أشقائى تذكرة الصعود للمونديال .. حلم هذا الجيل الأعظم والأكبر .. اليوم أرى في هذه المباراة مُتنفس لكل ماتجود به صدور المصريين حولى من هموم..لا بأس .. من أجل رموشك السوداء الطويلة إحتملنا وسنحتمل .. لا أعلم من هو هذا العبقرى الذى إختصرك في صورة فلاحة سمراء فاتنة تحمل جرة لم نعرف أبدا محتواها .. تبتسم في صفاء .. بينما ينسدل شعرها الأسود الفاحم الجميل خلف ظهرها .. هذه إنتِ يا من فتنى حبك .. هذه إنتِ أذهب في إثر رائحة علمك الذكية فأردد إسمك ليملئ المكان والزمان ..
جلسنا مصطفين ضاحكين في سعادة في المدرجات .. في أوقات كهذا تبدو أتفه النكات أكثرهم إضحاكاً .. لما لا والسعادة تُعلن عن وجودها اليوم بشدة .. اليوم أنا سعيد وأخى بجوارى سعيد .. أما هذا الشاب الذى يجلس وحيداً بعيداً فلابد أنه سعيد ..
يدخل رجالنا إلى أرض الملعب .. ثم يدخل المنافسون ..تبدأ المباراة .. نصاب بكل أنواع التوتر والقلق والخوف مع كل هجمة علينا وكل هجمة لنا .. تقع قلوبنا في أقدامنا عندما ينفرد أحدهم بمرمانا .. ندعو و نتضرع إلى الله أن يديم علينا هذه السعادة .. أن ينقل عدوى الضحك والفرح و إلى الملايين الذين يتلككون من أجل أشباه الضحكة .. ندعو .. نبكى .. نُشجع .. تنهار قوانا فنجلس .. نصرخ بإعلى صوتنا .. نلوح بإعلام بلادنا .. حتى بُلى مرمانا بهدف لهم .. لا بأس يا رجال ستعوضنها .. كلنا ثقة فيكم .. تمضى الدقائق .. يوشك الحلم على أن يتبخر .. هذا الحكم الظالم يحتسب أربع دقائق فقط بينما أضاع هولاء أكثر من 10 دقائق ما بين إدعاء إصابة وما بين التلكع في لعب الكرة .. يمضى الوقت أكتر حتى يُصفر الحكم مُعلناَ أن السعادة ليست لنا .. وأن الحلم لن يتجاوز حدود الحلم .. لن يصبح حقيقة .. لا بأس قدر الله وما شاء فعل .. فلنصفق لرجالنا فلقد بذلوا كل مافى وسعهم .. شكراً لكم فلقد أسعدتمونا كثيراً من قبل..واليوم ليس بنهاية المطاف .. أبداً.هيا .. فلنخرج في إنتظام من البوابات ولنتدبر أمر وسائل نقلنا إلى المطار حيث العودة إلى القاهرة ..
ولكن لحظة .. هل ما أراه أمامى الآن حقيقة؟! .. أهذه فلول من الهمج تلك التى تهجم علينا أما أننى أتخيل؟!
هل الذى يلمع تحت ضوء القمر الفضى هي أنصال السكاكين؟!
ماذا دهاكم أيها المجانين الملاعين .. لقد فزتم بالمباراة؟!
ماهذا الحقد والغل .. ما هذه الكراهية والعدوانية التى تخرج مع أنفاسكم الكريهة ؟!
لم أدر بنفسى إلا وأحدهم يدفعنى حتى أفر .. ولكنى مصرياً .. فكيف أفر وأهرب؟!
ركضنا كثيراً .. كان كل ما يشغلنا هو حماية نساءنا من بطش هولاء الحثالة الهمج .. إحتمينا بالإتوبيسات .. قذفونا بالحجارة.. سالت الدماء أنهاراً .. دماء ذكية أطهر كثيرا من دماءكم العفنة .. قذفونا بكل ماكانوا يحملونه .. لم تسعفنا أيا من قوات الأمن .. لجاءنا للسودانيين وإحتمينا بهم فأظهروا تفوقاً في الحقارة والدناوة أكثر من هولاء !!.. حاصرونا وهددونا .. إستغثنا وبكت بناتنا .. وصرخ بعضنا من شدة الألم .. إعتصرتنا مشاعر متناقضة من الحزن والخوف والألم .. والغضب ..
كنت أنا من تملكنى الغضب .. لن أهرب من بعض الحثالة الجبناء وأنا من نسل هولاء الذين وصفوا بإنهم خير أجناد الأرض .. إمتلكنى شعوراً من المقت الشديد لهم واستشطت غضباً أكثر وأكثر .. فخرجت لهم ..نعم خرجت .. خرجت راكضاً ملوحاً بعلم بلادى صارخاً في وجوههم ..ثائراً لجرحانا .. لبناتنا ونسائنا .. لبلادى .. فقط لم أدر بنفسى والأرض تميد بى ونصل سكين أحدهم يخترق جدار معدتى حتى نهايته .. إفترشت الأرض غارقاً في دمائى .. باسماً الثغر .. ناظراً للسماء .. فقط لتغطوا نعشى بعلم بلادى .. فلسوف أحتاج إلي دفئه في برودة قبرى.
* الخواطر دى كُتبت مع موضوعين اخرين عشان ملف كلمتنا الأخير عن كرامة المصريين بعد أحداث السودان الأخيرة .. مُكتبش ليها أنها تنزل مع الإتنين التانين .. فحبيت أنزلها كنوت هنا .. وهانزل الموضوعين إلى نزلوا تباعاً بإذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق