* القصة القصيرة دى كُتبت في أوائل السنة .. في أيام من أجمل أيام حياتى.. هي شبه حقيقية , و كانت من المفترض أنها تنزل العدد قبل الى فات من كلمتنا بس كانت لازم تخُتصر عشان المساحة.. والحقيقة إن اختصارها كان هايتسبب في ضعفها وضياع مشاعرها الرقيقة.. فا كان الأفضل أنها متنزلش.. القصة في حد ذاتها تجربة جديدة من وجهه نظرى. .. لأنها مكتوبة بإحساسين , إحساس الولد فيها وإحساس البنت وكلاً بإسلوبه الشخصى في نقل مشاعره..
القصة إلهام وإهداء ل مـلـك .. كاتبة جزء إحساس البنت منها الى هانزله باذن الله .. :)
-----
الزحمة.. ذلك الداء الوبيل , الى إبُتليت بيه البلد دى بسبب التزايد الغير طبيعي في سكانه , زحمة بشر وزحمة عربيات بتتمنى معاها انك تولع في نفسك !في غروب يوم عادى من ايام حياتى العادية .. خدت عربيتى وانطلقت انهب شارع الهرم نهبا كما يدعى اللغويين .. متوجها لميدان الرماية ومنه لطريق اسكندرية الصحراوى.. حيث المفروض أنى اقابل صحابى عند داندى مول , مكانا المفضل.. ولان شارع الهرم مهواش استثناء ! , فا كان متوقف وزحمة كالعادة.. ووصلت بمعجزة لميدان الرماية لأفاجى ان الزحمة في شارع الهرم كانت شغل هواة ! .. فا زحمة المحترفين الحقيقية هي في امتداد الهرم الموصل للميدان.. شلل تام في الطريق, لدرجة انك بتحس انها صورة فوتغرافيه التقطت مرارا وتكرارا ..ولانى كنت عامل حساب حاجة زى كده.. أشتريت وانا رايح , سي دي عليه أعظم تراكات عمر خيرت , لقيته في محل جنبنا.. وكنت مشغل سي دى عليه بعض الترانسات الى بتخنق منها ولكن على سبيل كسر الملل.. لما وصلت لنهاية شارع الهرم ولقيت الزحمة العجيبة دى.. حطيت سى ديهايه عمر خيرت علطول ورجعت راسى لورا وسندت على مسند الكرسى وانفضلت عن العالم.. ومع حركة السحالف الى كانت العربيات ماشيها .. كنت وصلت تقريبا للبنزينة الى في نص الشارع دا.. وقولت مبدهاش, الانسام الباردة دى مع مزيكا عمر خيرت , تحتاج وبشدة لقدح من الكابوتشينو الفاخر من اون زا رن المجاور.. دخلت البنزية وجبت مشروبى المفضل بنكهته المفضله وتوكلت على الله لمواصله الكفاح للوصول باذن الله وبرعايته لاخر الشارع ثم للميدان.. مسكت الكوبايه بايديا الاتنين عشان اتدفى بيها بينما يصدح الكمان ويعزف اجمل الالحان العذبة في التراك الحالى.. كان تراك الهروب تقريبا؟المهم انه كان عاملى دماغ مع دفا الكابوتشينو.. لا يوصف.بينما انا بشرب ويتدفق المشروب الساخن جوايا .. حانت منى التفاته كده بديهية وعفوية للعربيه المجاورة..وللصدفة العجيبة , بصت هيا كمان نحيتى في نفس اللحظة.. في اللحظات القصيرة دى..كانت مُحجبة.. بيضاء البشرة , عيونها رمادية.. او دا الى بدالى ساعتها..لو لم يكن دا الجمال الربانى الرائع .. فمتى يكون؟مبيسحركش زيي , االدقن البارزة؟ , مهواش طابع الحسن بس دقن طويلة وبارزة تؤدى عمل المئات من طوابع الحسن وبكفاءه منقطعة النظير..وكأى بنت تتمتع بحياء مفقود في ذلك الزمن.. بصت قدامها علطول..وانا كمان بصيت قدامى.. بس تردد فى ذهنى لـ لحظة في وقتها عبارة قرأتها كتير في قصص أحمد خالد توفيق .. " عرفت حينها ان الامور لن تعود كما كانت " .. مش عارف ليه؟!استمريت في سماع عمر خيرت .. ولاول مرة اتمنيت ان الزحمة دى تدوم ابد الدهر وتفضل عربيتها بمحذاتى..لماذا يسخر الناس من تأثير تلك اللحظات الخاطفة والنظرات الى قد تحرك شيئا فيك؟ويعتبرونها رومانسية مفرطة؟ , بل ويتهمونك بالخيال الخصب الواسع – الى هايوديك في داهية - ؟! .. كام مرة في حياتك بتقابل من يحرك فيك العضو النابض في الصدر دا؟معرفهاش ولا تعرفنى.. بس هيا رقيقة كالحلم.. وجهها مضئ كنور الملايكة.. وجنتيها بارزتين .. كم فات عليا من وقت ماقابلتش عيون مرسومه كده؟ .. عيون ضيقة تعكس الكتير والكتير في صفاء غير طبيعى..محددة بالكحل الخفيف.. ينعكس عليها الباقى من ضوء النهار فا يتوقف الزمن الا من حركتهم.. سبحان الخالق العظيم.. من زمان ماشوفتش وش رائع القسمات ومنمنمها كوجهها..ابتسمت برغمى.. ومقدرتش اقاوم فضول غير طبيعى في النظر مرة تانية..مكنتش ولا هاكون من الفضوليين الى بيتلذذوا بالفرجة على الناس في المواقف الى زى دى.. بس الموضوع كان اكبر منى..وعلى وشى نفس الابتسامة بصيت تانى.. كانت لسه باصه قدامها وكانت بتنقر بصوابعها الرقيقة على الدركسيون .. واضح انها كانت بتسمع حاجة ومستمتعه بيها زيي..مش عارف حست انى ببصلها ولا كانت عايزه تبص هيا كمان.. التفتتلى , والغريب انها ابتسمت اه ابتسمت هي كمان , يااه على ابتسامتها.. ابتسامة رضيع بيحلم وبيبتسم وهوا شايف حاجة جميلة في الحلم .. بيبقوا ساعتها زى الملايكة بدون ادنى مبالغة.. هيا ابتسامتها كانت رقيقة كده..لماذا يُبعث فينا هذا الدفء الانسانى الرائع.. ليه تدق القلوب بتلك الطريقة الغريبة.. حتى انك تحس ان قلبك يتواثب بين ضلوعك.. ليه بيحصل كل دا لما مجرد اما بنشوف انسان , مجرد انك تشوفه؟هوا دا التواصل الروحانى الذى حُكى عنه كثيرا؟ .. الماست روحى روحها فا حصل دا؟ولا كانت ارواحنا من الشفافيه المطلوب انها تمتزج ساعتها؟.. انا عارف انى مش شفاف ولا ناصع البياض كأى انسان.. بس انا متأكد انها كده.. أنها شفافه .. وان تأثير دا قد يصبنى ويصيب غيرى.. بس ليه أفكر في غيرى.. أنا في اللحظة دى من أصُيب.. ف لإتلذذ بذلك الجرح الدامى .. وما أروع الجراح الدامية؟!تحركت العربيات شوية , فا أنتفض قلبى بعنف.. أتنتهى تلك اللحظات بسرعه كده؟حمدت ربنا ان الطريق وقف تانى .. اتمنيت ساعتها ان رئيس الجمهورية يكون معدى عشان نقضى اليوم كله هنا..نقضيه في تبادل النظرات وكفى..الحقيقة انى كنت بختلس النظرات مش بتبادلها.. بنفس الكيفية الى انا عليها كنت بميل براسى عشان اشوفها من وقت للتانى.. وعمر خيرت مازال يوصل التعذيب !هيا كمان حسيت انها بتبصلى..لغاية ما اتشجعت وقررت انى مختلسش زى الحرامية وابص عليها مباشرة..في الوقت دا كانت السى دى وصلت لتراك: اللقاء التانى الرائع المريح جدا للاعصاب..ومش بس كده.. أنا فتحت الشباك كمان !الشارع دا ضيق.. والعربيات بمحاذاة بعض بدرجة كبيرة.. يعنى انا ببساطة كأنى قاعد على الكرسى جنبها !مش عارف ليه عملت كده.. بجدجايز لانى حسيت انى عايز اتكلم , عايز اسمع صوتها .. عايز اقرب للانسانة دى..بس توقعت انها مش هاتعمل حركة زى دى..أصل أنه يعن.. ايه دا , دى فتحت الشباك هيا كمان ؟!دا بجد والله !
أنا بابتسامة مُحرجة: أأ.. الطريق . ممم .. زحمة ! ( يا راجل؟! )
هى ووشها أحمر فعلا مش مبالغة: اه .. فعلا ! ( يا شيخة!)
أنا: تفتكرى.. هانروح النهاردة؟
هي بتضحك صحكة صغيرة: ممم.. يعنى خلى عندك أمل !
أنا: أنا اسمى ...هي, الابتسامة مش بتفارق شفايفها تقريبا !: وانا ...
انا: الله .. أسم روعة.. , انا اسف لو كنت فضولى او كنت بضايقك بنظراتى .. او انى متطفل كفاية انى اكلمك كمان
هي: مش متضايقه.. الحقيقة – ومازالت مبتسمة الابتسامة الساحرة – في اى ظروف تانية كنت هافتكرك حد بيعاكس.. بس مش عارفة..
أنا ابتسمت وقولت: هوا انتى رايحة فين؟
هى: كنت رايحه لواحده صاحبتى .. ساكنه جنب الميدان.
أنا بعد فترة صمت طالت: مؤمنه بان كل حاجة في الدنيا دى مُقدرة ومكتوبة من قبل مانتولد.
هى: مش بؤمن بحاجة اكتر من ايمانى بدا.
أنا بابتسامة عريضه: ساعات الواحد بيبقى.. محتاج حاجات كتير اوى في حياته.. وبعدين بتيجى لحظة معينه بيبقى مش عايز غير حاجة واحده هيا بكل دا
.هي – دى دمعة الى مترقرقه في عينيها دى؟! - : صح..
تييييييييييييت ! .. تيييييييييييت !معقول المحادثة المقتضبة دى خدت تلت ساعه بحالها !!الشارع مشى.. والاشارة فتحت وتصاعدت كلاكسات السخفا الى ورانا بانه تييت .. اتحرك يا بنى ادم !انا وعلى وشك التحرك بالعربية: هاقابلك تانى ازاى يا ...؟هي بلهفة مكتومة وبتتحرك برضه: مش عارفه..أنا بسرعه وانا اتحرك والكلاكسات الغاضبه بتزيد وتزيد وبصوت عالى قولتلها: انا مش عارف ايه الى حاسه دا بس انا حاسس ان في حاجة فجأة فيا اتحركت وبقيت ملهوف أنها تفضل تتحرك أنا حاسس انى ( صوتى مبقاش واضح ) .. انا محتااا .. ج.. اا .. كك هى وبتحاول تسمعنى وسط الاصوات الكتير المزعجة: انا مش سااامعه.. بتقول ايه؟هوا ليه الواحد يضيع الفرصه الرائعه الوحيدة في عمره.. مش يبقى غبى لو عمل كده.. اكيد يبقى غبى وحمار كمان .. حتى لو اضطر انه يعمل أكثر الافعال والتصرفات جنونا في حياته !!بكل عصبية ونرفزه شغلت الويتنج ووقفت العربيه ونزلت منها ووقفت الشارع ورايا وانا بشاور للناس بانه: اصبرررررررررررررررروا ! .. ووقفت قدام عربيتها.. وروحتلها عند بابها وقولتلها .. بحنية لم اعتدها فيا في حياتى ابدا وبصوت حاسس انه طلع من اعمق اعماق قلبى: انا محتاجك.. م ح ت ا ج ك !وكتبتلها بسرعه رقمى على منديل: كلمينى.. وانا راجع عربيتى بسرعه.. حسيت برجفة شديدة تجتاجنى.. لا مش بسبب البرد الشديد دا لا مش بسببه..رجعت عربيتى ومشيت.. وانا بردد من أعماق أعماقى ودمعة لم تجد سبيلا الا الانحدار على خدى بعد طول تماسك: كلمينى .. أرجوكى...ليه دمعت.. وليه فجاة تحولت من بنى ادم قوى لبنى ادم ضعيف اوى .. مش قادر يغالب دموعه ومش قادر غير انه يحتاجها؟هل هي لمسه الرقه والرقى والنبل الى بانت في ملامحها والى حسستنى انها انسانة.. هالاقى عندها الدفء الانسانى الى احتجته طول عمرى.. ولا هي الامومة الى بانت في ملامحها.. وانا أمى كانت ديما هي البداية النهاية بالنسبة لى.. واى انسانه هاستشف فيها حنان الامومة هاتمتلكنى بالمعنى الحرفى للكلمة.. معرفش بس أنا مستنى..مستنى لما تحس بالبرودة في اطرافها وتكلمنى..هاتكلمنى .. الدمعة المترقرقة في عينيها.. هيا الى أكدتلى دا..وساعتها لما تكلمنى.. هاديها كل دفء انسانى هيا محتاجه.هاقولها برضه انى ماصدقت لقيتك..ولما هاسمع صوتها تانى...فلتزهر ساعتها كل زهور السوسن في بطون الجبال.. فلتحلق النوارس فوق المرافئ القديمة التى لم يعد يزورها احد .. فلترتجف اوصالى في البرد القارص.. فإنها الدفء ,و الونس .. والحياة.
أحمد المصرى - يناير 2009